الجمعة، 30 مارس 2012

الانتخابات الرئاسية بيد المؤسسة العسكرية ولن تخرج عن رغباتها.


السقوط الناعم للرئيس القادم


أصبح توقع مستقبل مصر القريب أمراً فى غاية الصعوبة فى ظل الصراعات الحالية بين القوى التى احتلت المشهد السياسى من بعد الثورة. انتخابات الرئاسة فى يد السلطة التنفيذية التى يهيمن عليها العسكر، ويستحيل توجيه تهمة الخيانة لرؤوس هذه السلطة لأنهم لم يقوموا بحلف اليمين أمام رئيس منتخب.
 وفيما يحاول المجلس العسكرى الحفاظ على صورة حامى الثورة، للاحتفاظ بكافة صلاحياته ورصيده لدى الشارع رغم فقدان الثقة بين الطرفين نتيجة أحداث فى مجملها سيئة، يزداد قلق المؤسسة العسكرية كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية مع قرب انتقال نفوذ وصلاحيات تلك المؤسسة لرئيس مدنى، يبدو هذا جليا فى اتجاه العسكر إلى افتعال الأزمات نظرا لتخوفهم على دورهم فى المستقبل الذى يحدده سياسيون فى التراوح بين نموذجين:
التركى، حيث تمكنت الحكومة التى يسيطر عليها الإسلاميون من تقليص صلاحياته بشكل لا يمكن تعويضه..
والباكستانى، الذى يسيطر على مقاليد الأمور فى يديه ويهمش المسئولين المنتخبين فى لحظات الأزمات.
مكالمة هاتفية بين أحد أعضاء المجلس العسكرى وسعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب تضمنت التلويح بحل البرلمان لعدم دستوريته كرد فعل من المجلس العسكرى على محاولات البرلمان سحب الثقة من حكومة الجنزورى التى جاء بها العسكر، كانت الشرارة الأولى لنشوب خلاف بين الطرفين تطوراً إلى إصدار بيان شديد اللهجة من جانب الإخوان السبت الماضى وبيان آخر من المجلس العسكرى للرد عليه فى اليوم التالى، أكد خلاله ضرورة الوعى بدروس التاريخ ما جعل الجماعة تتذكر أحداث 1954 والانقلاب على الديمقراطية، وتعيد التذكير بها على صفحاتها الإلكترونية وقت صدور البيان.
 وفى تطور آخر التلويح بالإعلان عن مرشح إخوانى للرئاسة، ما يؤشر لفقدان التوافق بين الجانبين، ويعد نذير خطر يهدد المجلس العسكرى بخسارة ولاء الرئيس القادم مبكرا.
 ولعل لسان حال الإخوان الآن يجعلهم يراجعون دروس التاريخ بالفعل كما نصحهم بيان «العسكرى» وخاصة فيما يتعلق بما كتبه الرئيس الأسبق اللواء محمد نجيب من «أن الإخوان لم يدركوا حقيقة أولية هى أنه إذا ما خرج الجيش من ثكناته فإنه حتما سيطيح بكل القوى السياسية والمدنية, ليصبح هو القوة الوحيدة فى البلد, وأنه لا يفرق فى هذه الحالة بين وفدى وسعدى ولا بين إخوانى وشيوعى , وأن كل قوة سياسية عليها أن تلعب دورها مع القيادة العسكرية ثم يقضى عليها
».
هذه الأحداث المتلاحقة تجعلنا نطرح سيناريوهات متوقعة فى حالة فوز رئيس منتخب ليس مدعوما من المجلس العسكرى وفكره ومصالحه، قد تتشكل عند الإجابة عن..
سؤال: هل يسعى المجلس العسكرى إلى إسقاط الرئيس القادم سقوطا ناعما .... وصياغة انقلاب ثان على الديمقراطية بأسلوب جديد؟
يتفق عدد من السياسيين على أن هذا الأمر وارد، خاصة أن المجلس لديه مصالح يريد أن يحافظ عليها تتعلق بميزانية الجيش والاحتفاظ بمنع مراقبتها، وحماية وضعه بالدستور والمشاركة بشكل ما فى السلطة.

 السيناريوهات المطروحة برأى خبراء وسياسيين تدور حول افتعال أزمات لإحراج الرئيس القادم أمام الرأى العام والثورة عليه من جديد، وإحداث نوع من الانقسام بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة ما قد يخلق نوعا من التفكك فى الدولة ويعرضها للدخول فى حرب غير مضمون نتائجها, فى حين استبعد آخرون فكرة التخوف من المجلس العسكرى وتدخله فى المرحلة المستقبلية لأنه سيعود إلى ثكناته دون أى قلق، حيث لا يتحمل أى مسئولية جنائية قانونا لعدم حلفه اليمين فى المرحلة الانتقالية، مشيرين إلى أن الانتخابات الرئاسية مازالت بيد المؤسسة العسكرية ولن تخرج عن رغباتها. المؤسسات الحالية من حكومة وبرلمان وغيره ليست أحسن حالا من مؤسسة الرئاسة مستقبلا, كافة هذه المؤسسات تحت العجز والحصار وهيمنة «العسكرى» الذى يريد إثبات أنه صاحب القرار الأوحد.

 سيف الدين عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة يرى أن العسكر لديهم رئيس محتمل سيكون مجرد «باشكاتب» وأوضح أنه إما أن يكون منتميا للمؤسسة العسكرية وغالبا ما سيكون عمر سليمان أو من خارج تلك المؤسسة، مع الحرص على استخراجه من دولاب النظام السابق ليحفظ سر المنظومة التى تأبى السقوط ويحمى مصالحها.

 وقال عبدالفتاح: الإخوان لديهم حسابات أخرى خاصة بعدما استشعروا بتخلى المجلس العسكرى عن وعوده والتزاماته تجاههم بشأن تشكيل الحكومة وهو ما رفضه المجلس العسكرى, والتلويح من جانبهم بالتصعيد نابع من أنه فى حالة نقض العهد فسيتم تقديم مرشح خاص بهم مغاير لسياسات العسكرى, ومن هنا فالانتخابات ستكون سجالا بين جهات متعددة وكل من المجلس العسكرى والإخوان سيستعرض قوته من خلالها ليثبت مدى قدرته على تحريك الشارع.

 وتوقع عبدالفتاح أن يتحول المجلس العسكرى بمجرد انتهاء انتخابات الرئاسة لهيئة ليس لها أى سلطة تنفيذية ولا تتدخل فى إطار العلاقات الكاملة كما هو الوضع الحالى, وهو ما يقلص دورها ويجعل المجلس العسكرى يلجأ إما إلى العمل من وراء الستار أو تحريك الأجهزة الأمنية، وهذا أمر وارد فى السيناريوهات المتوقعة فى التعامل مع الرئيس القادم فى حالة عدم رضائهم عليه ولكن هذا الفكر هدام وينهى على تكتل المؤسسات ويدمرها..
مضيفا: على الجميع أن يعى أن هناك معادلة أصعب فى كل هذا وهو الشعب الذى لا نتوقع رد فعله فى حال كثرة التلاعب بمقدراته, وهو المضمون النهائى والسيناريو الأصعب.
 طارق زيدان منسق ائتلاف شباب الثورة قال: نحن فى خطر يعصف بمستقبل البلاد، بسبب التصادم بين القوى السياسية التى انشغلت بمعاركها الخاصة والوصول إلى السلطة و«التكويش عليها» ولم ينظر أحد إلى الصالح العام وهذا ينتج عنه أزمات اقتصادية متكررة ليس لها حلول على المدى القريب أو البعيد.

 وأضاف زيدان: هناك بالفعل توقع بحدوث سيناريو صدامى بين المجلس العسكرى وبين الرئيس القادم فى حالة عدم الرضا عنه وسيذهب بنا إلى سيناريو 1954، فالأمر سينقسم بين طرفين أحدهما المجلس العسكرى الذى يمتلك قوة فعلية على أرض الواقع ومن ناحيه أخرى رئيس يتمتع بحصانة الشعب واختياره، وهو ما سيخلق حالة تصادم مع المؤسسة العسكرية كأحد السيناريوهات المتوقعة بعد يونيو، إضافة إلى أن الأحداث الداخلية تخلق أطماعا خارجية تتمثل فى تجسد حلم العودة لسيناء شيئا فشيئا ومن الممكن أن تتزايد الأطماع لأبعد من سيناء. موضحا أنه يصعب فكرة اسقاط الرئيس القادم بنعومة فى حالة قوة الرئيس والقوى الداعمة له سواء كانت إخوانية أو سلفية، وقال: لابد أن نستنكر جميعا فكرة الخروج الآمن لأى طرف فى البلاد فمن أخطأ وثبتت ضده الجريمة يتم معاقبته بشكل قانونى لا صفقات فيه وهو ما ينطبق مع المثل أن تبرئة ظالم أفضل من سجين مظلوم.
بينما يرى حسام عيسى أستاذ القانون بجامعة عين شمس أن الحديث عن مخاطر المستقبل غير وارد لديه الآن، لأن هناك مشكلة أكبر نعيشها على أرض الواقع خاصة بافتعال الأزمة الدستورية وأزمة أخرى تواجهنا وهى الثقة فى الإخوان المسلمين الذين تراجعوا عن مواقفهم السابقة بهذا الشأن ما يشى بصراع قريب فى ظل تشكيل لجنة دستورية ومجلس شعب مطعون فى دستوريته مما يؤثر على بناء المستقبل.
وأشار «عيسى» إلى أن رفض السياسيين تشكيل اللجنة يثير غضب الشارع ما يجعلهم يعودون إلى ثورتهم فلابد من التراجع عن هذا التشكيل المخجل.

 واستبعد الباحث والكاتب محمد الجوادى أن يأتى رئيس قادم غير مرضٍ لدى العسكر، وقال: انتخابات الرئاسة فى يد السلطة التنفيذية التى يهيمن عليها العسكر، ويستحيل توجيه تهمة الخيانة لرؤوس هذه السلطة لأنهم لم يقوموا بحلف اليمين أمام رئيس منتخب.
 ويرى الجوادى أن المجلس العسكرى دائما ما يستغل مستشاريه لتحقيق رغباته كما جرى فى الاستفتاء الدستورى فى 19 مارس 2011 واستعان خلالها بطارق البشرى الذى تولى حملة «نعم» للتعديلات.

فى حين يرى أن محاولة إسقاط الرئيس القادم على أيدى العسكر لتخوفهم على مصالحهم هو سيناريو مستبعد, مضيفا: ما يحدث الآن لا يخرج عن إطار التهريج السياسى، الذى يتمثل فى تمثيلية الخناقة بين «العسكرى» والجماعة، لأن الطرفين لن يطيقا الاستغناء عن علاقتهما المتناغمة.

 «الرئيس» المنتظر فى نفق الدستور «المظلم» فى ظل الصراع الدائر حول تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور واتجاهاتها تبدو بوادر مأزق آخر متمثل فى احتمال رفض الدستور الجديد، وما يتبعه من وضع أكثر قسوة على الرئيس المنتخب فى غياب دستور يحدد صلاحياته فى حال وقوع هذا السناريو.

 طرحنا الأمر على عدد من القانونين واتفقوا على أن الاستفتاء فكرة رجعية لا تستخدمها سوى الدول النامية, وأن مأزق الرئيس القادم فى حال رفض الدستور القادم باستفتاء شعبى سيضع البلاد فى وضع حرج فإما أن يلجأ إلى الاحتكام للإعلان الدستورى أو يتم الاستفتاء على مادة واحدة فقط تتضمن صلاحيات الرئيس واختصاصاته دون الرجوع إلى دستور 1971 ليستمر العمل بالإعلان الدستورى الحالى, ووفق الإعلان الرئيس القادم يستمر على ما انتخب عليه حتى يتم تعديل وإعادة صياغته، وهو مايراه المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض السابق, قائلا: فى حالة رفض الدستور سيتم إعادته من جديد وهذا أمر بديهى إلا أن الإشكالية أنه سيأخذ وقتا طويلا لحين صدوره.
 وأشار مكى إلى أن هذه احتمالية بعيدة لأنه ليس من المتخيل أن يتم عمل دستور ويتم رفضه, موضحا أنه مهما كانت مساوئه فلن يكون أسوأ مما سبقه من دساتير أعدت على مدى العهود السابقة، وبالتأكيد سيكون أفضل من الإعلان الدستورى, مضيفا: من المتوقع أن يتم تعديل مايشوبه من أخطاء لأن أى دستور يتضمن آلية لتعديله وهناك نصوص يتم تكييفها على هذا النمط. «رفض الدستور سيكون كارثة بكل المقاييس» هذا ما يراه الشافعى بشير أستاذ القانون بجامعة المنصورة، لأنه - برأيه - يباعد بيننا وبين الاستقرار الذى نبحث عنه منذ ثورة يناير، والشعب ينتظر شهر يونيو ليتم الانتهاء من الدستور وانتخابات الرئاسة لنبدأ فى جمع ثمار الثورة فالرفض حالة تخلق فوضى وتؤدى لتدهور فى كل المجالات.
 وعن مأزق الرئيس القادم فى حالة رفض الدستور، قال «بشير» إن الإعلان الدستورى لم يحدد سلطات الرئيس القادم والدستور الجديد هو الفيصل، وفى حالة رفضه إما أن يتم الاستفتاء على مادة واحدة فقط تعرض على الشعب حول اختصاصات وصلاحيات الرئيس ليتم العمل بها طوال الفترة الانتقالية وبمرحلة لا تزيد على عام واحد وهو ما يترتب عليه مشاكل أخرى وهى طول بقاء المجلس العسكرى فى السلطة والذى وعد بتسليمها وع تسليمها للرئيس القادم ولكن فى ظل هذا الوضع سيتيح لهم فرصه جديدة للبقاء حتى عمل دستور جديد, وهو أمر غير مبشر ولا بد من إنهائه وخاصة أن حال البلاد «لا يسر عدو ولا حبيب».
بينما قال حمدى عبدالرحمن عميد كليه الحقوق بعين شمس سابقا: فى هذه الحالة سيتم إعادة الدستور وصياغته من جديد, موضحا أن نظام الاستفتاء فاشل ولا يستخدمه سوى الدول النامية ولأن معظم الشعب يعانى الأمية السياسية حتى المثقفين غير مدركين للمفاهيم السياسية بشكل واع فلهذا الاستفتاء هو أكذوبة كبرى.

 وأوضح «عبدالرحمن» أن صياغة الدستور ليست أزمة كما هو الوضع الآن وطريقة الاختيار الخاطئ لواضعيه لأنه يخضع لمبادئ علمية وتحتاج إلى لمسات فنيه يدركها الدارسون وليست جميع الفئات، كما هو موضح الآن فنحن لسنا فى حاجة إلى عامل وامرأة وطالب لوضع دستور من المفترض أنه جامع شامل وليس فئوى فالمعركة الحالية وهمية لإيحائها أن الدستور بدعة واختراع فهناك نحو 90% من الدستور متفق عليهم ولسنا فى حاجة إلى تغييرهم بخلاف المواد التى نختلف عليها فقط. وأضاف أن أزمة الرئيس القادم فى حال رفض الدستور أو طول فترة وضعه تكمن فى أننا نعود للخلف عندما طالبنا بأن يكون الدستور أولا فالعوار يظهر الآن وفى هذه النقطة تحديدا، وهذا هو الخلل المبدئى, وفى حالة وقع ذلك يتم العمل بالإعلان الدستورى لحين صياغة الدستور أخرى، إلا أن رفض الاستفتاء أمر مستبعد فغالبا ما يتم الموافقة على الاستفتاءات وهذه أسوأ عاداتنا.

ليست هناك تعليقات: